رحلة السماء
كان الناس قبل البعثة النبوية يعيشون في جاهلية عمياء، فالوضع الديني والأخلاقي والاجتماعي في المجتمع الجاهلي كان في انحطاط ، حيث قتل النفس ووأد البنات والزنا والخمر والميسر والربا وعبادة الأصنام وتسبب السوائب. وكانت الأمم الكبيرة تستعمر الشعوب الصغيرة وتستذلها، ويستعبد القوي الضعيف.
وينزل الله الغيث بعدما قنطوا، ببعثة الرسول الكريم بالدين القويم كما قال الشاعر:
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم
إلا على صنم قد هام في صنم
مسيطر الفرس يبغي في رعيته
وقيصر الروم من كبر أصم عمي
وإذا كان الفضل بما شهد به الأعداء، فقد شهد كثير من المستشرقين بصحة المنهج الإسلامي في كتابة السنة النبوية وسلامتها من التغيير والتبديل والتحريف، وهذا هو منهج رجال خير القرون في كتابة سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم), وفي رسم القواعد والضوابط التي تعرف من خلالها أقوال الرواة وأخلاقهم.
وهذه شبهات العقلانيين وبعض المستشرقين تتهاوى واحدة تلو الأخرى، وقد ظهر لكل منصف بطلان أقوالهم وفساد نواياهم، واعترافات عدد من المستشرقين بسلامة المنهج الذي سار عليه علماء المسلمين في كتابة السنة النبوية تؤكد ذلك، وقد ألجأتهم الحقائق المذهلة إلى تسجيل هذه الاعترافات دون أن يعلن أحد منهم إسلامه، ومن هذه الأخبار التي دل عليها صريح الآيات القرآنية وصحيح الأحاديث النبوية أنه صلوات الله وسلامه عليه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان ذلك يقظة لا مناماً، وجمع له الأنبياء فصلى بهم إماما، ثم عرج به إلى السموات سماء بعد سماء، ووصل إلى ما لا يعلمه إلا العليم العلام، وانقطعت الأصوات وسمع صريف الأقلام، وفاز بالرؤية والكلام، وفي هذه الرحلة حكم وفوائد، منها أن رسالة الأنبياء والرسل واحدة، وهي الإسلام، وأن رسولنا أرسل للعالمين ورسالته ليست لها حدود، وإمامة نبينا للأنبياء كرامة له.
وتقدمت للصلاة فصلوا
كلهم مقتد وأنت الإمام
والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، ومكانته في الإسلام معلومة، واختيار الفطرة تؤكد أن الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وفي هذا المعراج مثول بين يدي الله ليري نبيه من الآيات، ويفرض عليه أهم الأحكام وهي الصلوات، ففرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة على طول المدى، ثم طلب التخفيف فجعلها خمس صلوات ولها أجر خمسين كما قدره وقضى، وفي هذا اعتبار عظيم بشرف الصلوات وعلو شأنها ومكانتها عند الله، وقد جاءت أوامر الله في القرآن بإقامتها والمحافظة عليها في أوقاتها والوعيد الشديد على تركها وإضاعتها، وإخبار النبي (صلى الله عليه وسلم) قومه بما منّ الله عليه بهذا الإكرام مع توقع التكذيب والبهتان لهو درس واضح على المضي في سبيل الله، فلابد أن نجلّي حقائق هذا الدين للناس، لأن إخفاء الحقائق انحراف عن المنهج الرباني، حتى تكون المرحلة الجديدة والانطلاقة لبناء الدولة سليمة قوية متراصة متماسكة، فهذا هو الاختبار والتمحيص، ليخلص الصف من الضعاف والمترددين والذين في قلوبهم مرض، ويثبت الأقوياء والمخلصين، وقد فاز أبوبكر بلقب الصديق، فهو صديق هذه الأمة وهو الذي علمنا كيف يكون التعامل مع ما جاء به الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم).